سؤال عن الترتيب الزمني للأحداث في الأناجيل الأربعة
الإجابة:
مقدمة:
† الكتاب المقدس هو كلام الله. وحين يتكلم الله يجب أن ينصت الإنسان! والله حين يتكلم إنما يعلن لنا أسراره المقدسة ومقاصده في الخليقة والتاريخ، وأعماله مع أولاده المطيعين لوصاياه. بل إننا من خلال كلام الله نتعرف على شخصه الحبيب المبارك، ووعوده الصادقة الأمينة، ونصائحه الغالية الخلاصية. مَنْ يستطيع أن يحيا بدون كلمة الله؟! أنها بالحقيقة "رُوحٌ وَحَيَاةٌ" (إنجيل يوحنا 6: 63). كلمة الله هي نور الطريق "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي" (سفر المزامير 119: 105). وكلمة الله هي سر الاغتسال والنقاوة إذ يقول الرب: "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (إنجيل يوحنا 15: 3).
† لكن للأسف البعض يقرأ الكتاب المقدس ليس للاستفادة من تعاليمه أو لسماع وصايا الرب والعمل بها لتصلح طريقه، وإنما يقرأه بغرض النقد والهجوم، أو يقرأه وبداخله شكوك في صِحته، فيجري مقارنات بين أسفاره المختلفة. وعند مواجهته أي اختلاف بين هذه الأسفار، يتخذها دليل على صدق شكوكه، دون أي دراسة أو محاولة للفهم، ويصلنا الكثير من أمثال هذه التساؤلات هنا في موقع الأنبا تكلا.. فالذي يبدو اختلاف بين الأناجيل الأربعة لا يوجد فيه أي تعارض إطلاقًا وسنعطي مثالًا لذلك فيما يلي..
† وقد قال القديس يوحنا ذهبي الفم عن الخلاف الذي ادعوا وجوده بين الأناجيل الأربعة، وما يصح أن يقال عن كل أسفار الكتاب: "إن ما يُرى في البشائر من الفرق هو من أعظم البينات على صحتها، لأنه لو كان هناك اتفاق تام في كل الأمور، لكان أعداء الحق يقولون أن الكتبة قد تشاوروا أولًا واتفقوا على ما يكتبونه".
† وقد ورد إلينا بعض الأسئلة تقارن بين الأناجيل الأربعة في ترتيب الأحداث, ويعتقد السائلين أن هذا تعارض بين الأناجيل الأربعة، ولذلك أردنا أن نفرد هذا المقال هنا في موقع الأنبا تكلا عن الترتيب الزمني للأحداث في الأناجيل الأربعة لنوضح بعض الحقائق التي يجب أن تضعها في اعتبارك عند قراءة البشائر الأربعة وسنضيف لهذا المقال لاحقًا ما يرد إلينا من أسئلة تتعلق بذلك:
† هناك قاعدة عامة يجب أن نضعها أمام أعيننا قبل قراءة الكتاب المقدس؛ وهي أن الكتاب المقدس اشترك في كتابته 40 كاتب من الأنبياء والرسل، الذين اختلفوا في نشأتهم وبيئتهم وشخصياتهم وثقافاتهم وأسلوب كتاباتهم. وقبل أن نبدأ يجب أن نتعرف على مفهوم الكنيسة المسيحية للوحي الإلهي، لنعرف ما هو دور رجل الله الذي أوحى له بالروح القدس ليكتب؟! فقد جاء في الكتاب المقدس:
" كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلًا، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 3: 16، 17).
فكل كاتب كان أشبه بقلم في يد الروح القدس لكنه قلم ماهر، لا يكتب إلا ما يمليه الروح، دون أن يفقده شخصيته وإمكانياته ومهارته وبيئته. وهذا هو العجيب في حب الله، فقد وهبنا كلمته الإلهية الخالدة، لكنه لم يَحتقِر فكرنا وثقافتنا ولغتنا وإنسانيتنا. وقد عصم الروح القدس مَنْ كتبوا الكتاب المقدس من الخطأ، وقد عبر عن ذلك بطرس الرسول قائلًا: "لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ" (رسالة بطرس الرسول الثانية 1: 21).
وبالطبع ما ينطبق على الكتاب المقدس كله ينطبق على البشائر الأربعة.
† وبالنسبة للترتيب الزمني للأحداث في البشائر الأربعة، فيمكن أن نقول أنه بصفة عامة البشير متى والبشير لوقا لم يهتما بالترتيب الزمني للأحداث. أي عندما نقرأ إنجيل متى ليس بالضرورة أن تكون الأحداث الموجودة في إنجيل متى "إصحاح 14" مثلًا حدثت بعد الأحداث الموجودة في إنجيل متى "إصحاح 13" (والمقصود بكلمة "ليس بالضرورة" هو أنها قد تكون حدثت قبلها أو بعدها). ونفس الكلام ينطبق على إنجيل لوقا. وعلى العكس من ذلك البشير مرقس والبشير يوحنا اهتما بالترتيب الزمني للأحداث. وسنوضح ذلك فيما يلي:
إنجيل متى:
† البشير متى يميل في أسلوبه إلى الطريقة الدراسية، وإنجيل متى إنجيل تدبيري لا يهتم بالترتيب الزمني للأحداث. وكلمة "تدبيري" تعني أن القديس متى عندما كان يريد أن ينقل إلينا فكرة معينة كان يميل إلى تجميع ما يتعلق بهذه الفكرة في مكان واحد. فمثلًا:
1) العظة على الجبل في إنجيل متى (الإصحاحات 5، 6، 7):
إنجيل متى نقل لنا تعاليم السيد المسيح بصورة كاملة في الموعظة على الجبل في ثلاثة إصحاحات متتالية وهي "الإصحاحات 5، 6، 7" وهو بذلك أراد أن يجمع لنا دستور الملك. بالرغم من أن السيد المسيح لم يقل كل هذه التعاليم دفعة واحدة. فمعظم الآباء اتفقوا على أن السيد المسيح على الجبل ذكر "التطويبات" فقط. ولكن القديس متى أراد أن يجمع دستور الملك.
2) معجزات السيد المسيح في إنجيل متى (إصحاح
:
† عندما أراد القديس متى أن يكلمنا عن قيام السيد المسيح بعمل العديد من المعجزات، ذكر لنا 8 معجزات في إنجيله الإصحاح الثامن. هذه المعجزات لم تحدث متتالية كما ذكرها البشير متى ولكنه قام بتجميعها..
3) أمثال الملكوت:
† القديس متى جمّع أمثالًا كثيرة عن الملكوت في إصحاح واحد هو (مت 13). وبالرغم من ذلك نلاحظ أن القديس متى لم يسجل كل أمثال الملكوت في (مت 13) فقد ذكر بعض الأمثلة عن الملكوت في إصحاحات أخرى مثل: مثل فعلة الكرم في (مت 20: 1- 16) - مثل الابنين ومثل الكرامين الأردياء في (مت 21: 28 – 44) - مثل عرس ابن الملك في (مت 22: 1- 14) - مثل العذارى (مت 25: 1- 13) - مثل الوزنات (مت 25: 14- 30).
4- تعاليم الرب يسوع لتلاميذه وُرِدَت مجمعة في (مت 10).
إنجيل لوقا:
† أيضًا البشير لوقا لم يهتم بالترتيب الزمني للأحداث، لأن القديس لوقا مؤرخ، وطريقته أنه يركز على القصة التي يكتبها، وحُسن تسلسل الأحداث بها حتى لا يشتت فكر القارئ؛ فعندما يبدأ قصة ينهيها..
† فمثلًا في إنجيل القديس لوقا إصحاح 3: نجده يتكلم عن يوحنا المعمدان ويحكى قصته في تسلسل (بدأ بـ"صار كلام الله ليوحنا بن زكريا" – قصته – توبيخه لهيرودس) ثم أنهى قصة يوحنا المعمدان بالآية التالية التي تفيد قيام هيرودس بحبسه: "زَادَ هذَا أَيْضًا عَلَى الْجَمِيعِ أَنَّهُ حَبَسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ"( إنجيل لوقا 3: 20). ثم نجده بعد ذلك مباشرة يبدأ قصة جديدة هي قصة عماد السيد المسيح من يوحنا المعمدان بالآية التالية: "وَلَمَّا اعْتَمَدَ جَمِيعُ الشَّعْبِ اعْتَمَدَ يَسُوعُ أَيْضًا. وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ" (إنجيل لوقا 3: 21).
الذي لا يعرف أسلوب لوقا القصصي يتساءل: كيف اعتمد يسوع من يوحنا بعد أن وضع يوحنا في السجن؟! ولكن الواقع أنه بدأ قصة يوحنا المعمدان وأنهاها كما حدثت، حيث انتهت بوضع يوحنا المعمدان في السجن. ثم أراد أن يتكلم بعد ذلك عن موضوع عماد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان. فلوقا رجل قصصي يكتب قصة، فينهيها حتى لا يشتت القارئ..
† أيضًا في إنجيل لوقا إصحاح 22 نجد القديس لوقا يقول: "وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ». ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ». وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ. وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!». فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟» (إنجيل لوقا 22: 14).
الذي يقرأ هذه القصة من إنجيل لوقا يعتقد أن يهوذا كان حاضرًا معهم في كسر الخبز. ولكن هذا لم يحدث لأن يهوذا خرج قبل كسر الخبز. ولكن لأن لوقا رجل قصصي لم يقطع روايته بحدث خروج يهوذا حتى لا يشتت القارئ، ولم يتطرق إلى تفاصيل صغيرة لا تهم القارئ مثل خروج يهوذا قبل كسر الخبز. كان مهتمًا بذِكر الأحداث الهامة من القصة.
إنجيل يوحنا:
اهتم القديس يوحنا بالترتيب الزمني للأحداث. ولكنه تجاهل تمامًا خدمة السيد المسيح خارج أورشليم فلم يذكر عنها شيء.. ولكنه رَكَّز على خدمة السيد المسيح في أورشليم وذكرها بالترتيب: السنة الأولى – السنة الثانية – السنة الثالثة – سنة الصلب.
إنجيل مرقس:
† أما كاروزنا العظيم مارمرقس فهو رجل منظم ويحب النظام والترتيب، وقد اهتم جدًا بالترتيب الزمني للأحداث. وتكلم عن حياة السيد المسيح مرتبة ترتيب زمني دقيق. فالأحداث التي نقرأها في إنجيل مارمرقس إصحاح 4 مثلًا لابد أن تكون حدثت قبل الأحداث المذكورة في إنجيل مارمرقس إصحاح 5، وهكذا.. يجب أن نفهم هذا تلقائيًا..
وقد أفادنا هذا الترتيب في المعرفة الدقيقة لموعد حدوث بعض الوقائع كما سنوضح فيما يلي:
إنجيل مارمرقس ساعدنا في ترتيب أحداث اسبوع الآلام:
† فمثلًا لو درسنا أحداث اسبوع الآلام في البشائر الثلاثة نفهم إن المسيح دخل أورشليم يوم أحد الزعف وطهر الهيكل في نفس اليوم. ويتضح ذلك من الآتي:
في إنجيل متى: "وَلَمَّا دَخَلَ أُورُشَلِيمَ ارْتَجَّتِ الْمَدِينَةُ كُلُّهَا قَائِلَةً: «مَنْ هذَا؟» فَقَالَتِ الْجُمُوعُ: «هذَا يَسُوعُ النَّبِيُّ الَّذِي مِنْ نَاصِرَةِ الْجَلِيلِ». وَدَخَلَ يَسُوعُ إِلَى هَيْكَلِ اللهِ وَأَخْرَجَ جَمِيعَ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِي الْهَيْكَلِ، وَقَلَبَ مَوَائِدَ الصَّيَارِفَةِ وَكَرَاسِيَّ بَاعَةِ الْحَمَامِ" (إنجيل متى 21: 10-12).
نفهم من هذه الآيات أن السيد المسيح دخل أورشليم وفي نفس اليوم طهر الهيكل. بالرغم من أن الذي حدث فعلًا أن السيد المسيح دخل أورشليم يوم الأحد وذهب إلى الهيكل وكان الوقت قد أمسى فخرج، وفي اليوم التالي يوم الإثنين ذهب مرة أخرى إلى الهيكل وقام بتطهير الهيكل. ولكن القديس متى كنوع من الاختصار في الرواية حذف بعض التفاصيل الغير هامة لأنه كان يركز على الحدث وهو تطهير الهيكل.
في إنجيل لوقا:
"وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ (أورشليم) وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ». وَلَمَّا دَخَلَ الْهَيْكَلَ ابْتَدَأَ يُخْرِجُ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ قَائِلًا لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ الصَّلاَةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!»"( إنجيل لوقا 19: 41-46).
أيضًا نفهم من هذه الآيات أن السيد المسيح دخل أورشليم وفي نفس اليوم طهر الهيكل. وينطبق على القديس لوقا ما سبق أن قلناه عن القديس متى. وهو أن اهتمام القديس لوقا بالفكرة والحدث جعله يتغاضى عن بعض التفاصيل الغير هامة.
أما انجيل يوحنا، فالقديس يوحنا لم يذكر حادثة تطهير الهيكل. ولكنه بدأ لنا أسبوع الآلام وذلك في إنجيل يوحنا إصحاح 12 حيث قال: "قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، فعملوا له وليمة.. وفي الغد دخل أورشليم". ونفهم من كلمات الآية أن الرب يسوع ذهب إلى بيت عنيا يوم السبت، ودخل أورشليم يوم الأحد.
أما في إنجيل مرقس:
† عندما نقرأ في إنجيل مارمرقس نجده يذكر التوقيت بدقة لأنه يهتم جدًا بالوقت وترتيبه، فيقول في إنجيل مارمرقس: "فَدَخَلَ يَسُوعُ أُورُشَلِيمَ وَالْهَيْكَلَ، وَلَمَّا نَظَرَ حَوْلَهُ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ إِذْ كَانَ الْوَقْتُ قَدْ أَمْسَى، خَرَجَ إِلَى بَيْتِ عَنْيَا مَعَ الاثْنَيْ عَشَرَ" (إنجيل مرقس 11: 11). فنفهم من الآيات أن الرب يسوع عندما دخل أورشليم كان الوقت قد أمسى فخرج وبذلك يكون يوم الأحد قد انتهى. ثم يكمل مارمرقس في الآية التي تليها من نفس الإصحاح (مر11: 12): "وفي الغد.... جاءوا إلى أورشليم، ولما دخل يسوع الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل".. وبهذا تكون الصورة وضحت. أن السيد المسيح دخل أورشليم يوم الأحد، في موكبه الظافر، ونظر كل شيء وكان الوقت قد أمسى خرج. وفى الغد (أي يوم الاثنين) طهَّر الهيكل. وذلك لأن مارمرقس كان يهتم بالتوقيت جدًا.
إنجيل مارمرقس عرفنا موعد القيامة بدقة:
عندما نقرأ حادثة القيامة في متى ولوقا ويوحنا، لا نستطيع أن نحدد موعد القيامة بدقة. كل الذي يفهم من البشائر الثلاثة أن النسوة ذهبن يوم الأحد باكرًا جدًا للقبر وإذا المسيح قام. ولكن متى قام؟ لا نعرف. قد يكون قام السبت، خاصة وأن النور حاليًا يخرج من قبر السيد المسيح يوم السبت، وهذا سبب كافي للاعتقاد أن القيامة تمت يوم السبت. ولكن المسيح أعلن أنه سيقوم في اليوم الثالث، فهل تحقق كلام السيد المسيح أم لا؟ لا نستطيع أن نجد إجابة لهذا السؤال في البشائر الثلاثة (لوقا – متى – يوحنا).
الآية الوحيدة في الكتاب المقدس التي تؤيد كلام السيد المسيح بأنه قام فعلًا في اليوم الثالث موجودة في إنجيل مرقس إصحاح 16: " وَبَعْدَمَا قَامَ بَاكِرًا فِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ ظَهَرَ أَوَّلًا لِمَرْيَمَ الْمَجْدَلِيَّةِ، الَّتِي كَانَ قَدْ أَخْرَجَ مِنْهَا سَبْعَةَ شَيَاطِينَ"( إنجيل مرقس 16: 9). من هذه الآية عرفنا بالتحديد موعد القيامة وهو فجر الأحد. وذلك لأن مارمرقس كان يهتم بالتوقيت.
وقد ساعدنا إنجيل مارمرقس أيضًا في ترتيب الظهورات بعد القيامة:
† لقد رتبنا ظهورات القيامة على كلام مارمرقس من نفس الآية (مر16: 9): "ظهر أولًا لمريم المجدلية". إذن الذي يريد ترتيب زيارات القبر لابد أن يضع الظهور لمريم المجدلية أولًا كما ذكر مارمرقس ويرتب عليه بعد ذلك باقي الظهورات.